Article publié depuis Overblog et Facebook
21
قرأت كواحد من أفضل أبناء جيلي لكنني لم أصل إلى المنشود.أمضيت فترات تحصيلي تحت نير أعتى دكتاتورية عربية. و كانت الكتب من المحرمات. و كانت مكتباتنا خاوية من كل جديد في الأدب و الفكر و الفلسفة. لكنني سعيد لأنه لم تكن لي أبدا قطيعة مع الكتاب.لأني منذ 15 من عمري , تفرغت للقراءة و أحببت أن أكون كاتبا.
حقا لم أستطعم التعليم و لا المناهج الدراسية. لكنني أدمنت المطالعة و عشقت عشقا جارفا الانجليزية. و كنت من المتفوقين فيها. كما كان لي حظ جيد مع الفلسفة. و كنت الأول في معهدي و ربما في مدينتي. و كان أصدقائي , بين الرغبة و الرهبة , يلقبونني عدة ألقاب. فتارة ملحد و تارة أخرى شيوعي و تارة ثالثة الفيلسوف.لكن هذه الكنية الأخيرة هي التي شاعت في السنة النهائية في آخر المرحلة الثانوية, حين أراد أستاذ الفلسفة معاقبتي بتهمة الغش. فلم يكن مستوعبا أن يجد شابا ناضجا , و متقدما على أبناء جيله و يحمل هموما ثقافية تعجز بيئته الضيقة عن إشباعها.
الحقيقة كانت مجلدات بليخانوف الخمسة الضخمة هي الحديقة التي تدربت فيها على تذوق مختلف الروائح الفكرية. و كان أسلوبه الرائع , و وضوحه الفكري العميق من أعانني على استيعاب التيارات العقلية و النزعات الايديولوجية التي مرت بها الأحقاب التاريخية للفلسفة. لله ما أحلى تلك السنوات رغم الخصاصة و الحزن و الغضب و التمرد على الواقع. فقد باتت في مخيلتي , سنوات خصبة معطاءة.
أكتب هذا لأبين أنه لم يشغلني في شبابي شيء آخر غير المطالعة. و حتى هذه اللحظة , ما زلت أعيش في عزلة ثقافية و روحية شديدتين. فنادرا ما أعثر في محيطي على من أفتح معه نقاشا ثقافيا مثمرا.